الكحل 00 وجمال المرأة
على مرّ السنين والعصور، تغنى الشعراء بالعيون الساحرة، واعتبروها مصدرا للإلهام، ورمزا للجمال، وأبدعوا في وصف شكلها ورموشها وبريقها، إلا أن هذا السحر لا يكتمل من دون الكحل. فقد تستغني المرأة، خصوصا العربية، عن جميع أدوات التجميل من احمر شفاه وماسكارا وكريم الأساس، إلا قلم الكحل الأسود، الذي لم تهزم أقلام الكحل الملونة الزرقاء والخضراء، التي تبقى مجرد موضة عابرة تظهر وتختفي.
استخدم الكحل منذ مئات السنين، وقد تبيّن أنه كان يدخل في معظم الوصفات الخاصة بالعيون في عهد الفراعنة، كما كان شائع الاستعمال عند العرب رجالا ونساء، وورد في الحديث النبوي الشريف عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «اكتحلوا بالإثمد، فإنه يجلو البصر وينبت الشعر». وجاء تعريف الإثمد على انه حجر معروف أسود يضرب إلى الحمرة يكون في بلاد الحجاز، وأجوده ما يؤتى من أصفهان. ومن خصائصه انه يقوي بصيلات أهداب العين، فيحفظ الرموش فتطول أكثر، وبذلك تزداد قدرتها في حفظ العين من أشعة الشمس، والغبار والأوساخ، فتزيد الرؤية وضوحا وجلاء، أكثر منها في استعمال الأكحال الخالية من الإثمد. ويوصف أيضا انه معدن هش سريع التفتت، لامع ذو تركيب رقائقي بلون أبيض فضي. وفي المغرب، حيث توجد أنواع جيدة من حجر الاثمد، ما زالت كثيرات من النساء لا يتخلين عن الكحل المعد على الطريقة التقليدية، رغم انتشار أقلام الكحل وسهولة استعمالها.
فاطمة الوردي، سيدة تبلغ من العمر 65 عاما، أطلعتنا على الطريقة التقليدية التي يحضر بها الكحل في المغرب، حيث قالت انه جرت العادة أن تقوم بهذه المهمة سيدة كبيرة في السن، ذات سمعة طيبة بين الناس، متدينة، وملتزمة بشروط الطهارة والوضوء أثناء تحضيره. والطريقة تتمثل في وضعه في مقلاة، ويضاف إليه نواة زيتون، ونواة تمر، وحبة قرنفل، وحبة فلفل اسود، يضاف إلى هذه العناصر قطرات من زيت الزيتون، ثم تقلب كل المقادير على نار هادئة لمدة قصيرة، بعدها يتم دقها بواسطة المدق. يؤخذ المسحوق ويغربل بواسطة قطعة قماش بيضاء مثل الشاش، للحصول على مسحوق ناعم جدا، يوضع في مكحلة، وتكحل به العين بواسطة عود من الخشب يسمى المرود بالمغربي. من الضروري حفظه في مكحلة خشبية، أو في قارورة من الزجاج محكمة الإغلاق لكي يحافظ على جودته لمدة تتراوح ما بين أربعة أو خمسة أشهر. وأكدت الوردي انه استنادا إلى تجربتها وخبرتها الطويلة، فإن دور الكحل لا يقتصر على تجميل العين وتكثيف رموشها فقط، بل يحميها من الأمراض أيضا.
لكن يذكر أن بعض الدراسات الطبية التي أجريت في منطقة الخليج، كانت قد حذرت من خطر الكحل التقليدي على العين، وتأثيره الضار على البصر، لاحتوائه على نسبة عالية من الرصاص تتراوح ما بين 85 و100 في كل غرام من الكحل، خصوصا النوع الذي يباع في الأسواق الشعبية وعند العطارين، وتبين أيضا أن استعماله من طرف الحوامل يتسبب في وفيات الأطفال الذين يتعرضون بدورهم للتسمم بالرصاص. لذلك وفي حالة تعذر التأكد من أن الكحل المستعمل طبيعي وغير مغشوش، ينصح باستخدام أقلام الكحل التي تباع في الصيدليات، لأنها تحتوي على مادتي الكربون والحديد، اللتين لا تؤثران على العين.